عنوان هذا المقال ليس ساخرًا. فجامعة "هارفارد" العريقة التي تُصنف كأفضل جامعة في العالم غير معتمدة من أية جهة اعتماد في العالم. بينما "مركز أبو الروس للتدريب والتهريب والتطريب والتخريب" معتمد من أربع هيئات عالمية، في نفس الوقت.
أسست جامعة "هارفارد" قبل اعتماد نظم الاعتماد، ولا توجد منظمة أو هيئة أكبر منها كي تعتمدها. وهي أيضًا لا تعتمد سوى كلياتها وأساتذتها ومراكز أبحاثها وخريجيها وبرامجها. أما "مركز أبو الروس" فقد نشرت له شهادة على الفيسبوك معتمدة من (أبو الروس شخصيًا) بالإضافة إلى "كمبردج" و"بوسطن" و"جلوبل لينك" وهيئة مصرية أخرى، دون أن نفهم أي "كمبردج" ولا أية كلية في "بوسطن" ولا أي "لينك." جاءت الشهادة مسخًا مشوهًا، تحمل اسمين مختلفين؛ اسمًا بالعربية واسمًا مختلفًا بالإنجليزية، وجاءت الأختام في كل مكان، وتاريخ تقديم الدورة غير واضح؛ والأخطر من كل ذلك أن من صادق على الشهادة صدق نفسه واعتبرها شهادة حقيقية وهي وهمية، وشهادة حق، وهي شهادة باطل.
بعدما علقت على شهادة "مركز أبو الروس" – والاسم هنا مجازي وليس حقيقيًا – اتصل بي صديق مهتم بتنظيف التدريب من نوائبه وشوائبه وقال:
"بين يدي الآن إعلان عن 4 دورات موارد بشرية ... يدعي أصحابها أن مدربيها من الجامعة الأمريكية مع لفيف من مساعدي مدرب شهير راحل، بالإضافة إلى 5 شهادات من مؤسسة الدكتور الراحل، ومن فيوتشر تريننج، وجامعة بني سويف، وجامعة القاهرة، وشركة ميكروسوفت، وكل ذلك مقابل 200 جنيه فقط."
وأضاف: "أشهر الأختام المزورة هي: كمبردج، وبوسطن، وهارفارد، وجامعة "لين" التي كان لها إعلان عن ماجستير إدارة أعمال مصغر مقابل أربعة آلاف جنيه، واتصلت بهم بالفعل وعرضوا علي خصم 20%، مع 12 شهادة معتمدة لكل فصل دراسي في أثناء المنحة. وكل هذا يصب في إهدار قيمة العلم وقيمة الشهادة ويخلق تنافسًا وهميًا على اقتناء الشهادات. ولكن مع مرور الوقت يبدأ الناس بإضفاء قيمة وهمية، تتحول نفسيًا إلى قيمة حقيقية؛ ثم تصبح أمرًا واقعًا، وعرفًا سائدًا في مجال التدريب."
يفرق الأستاذ "حسني عايش" في عرضه لكتاب "معامل الدرجات الجامعية الزائفة والمزيفة" بين نوعين من التزييف:
الأول: شهادات "زائفة" (Fake) أو كاذبة، بمعنى أن الجامعة التي أصدرتها غير معترف بها أو غير موجودة بالفعل، وأنها أحيانًا مجرد عنوان ... بريد إلكتروني."
الثاني: شهادات "مزيـِّفة" (Counterfeited)عن شهادات جامعات معترف بها مثل "هارفارد" و"ييل" و"جون هوبكنز". بمعنى أن الكرتونة وكشف العلامات يبدوان وكأنهما صادران عن جامعة معترف بها بالدرجة الجامعية المعنية لأنها تحمل التواقيع والأختام الذهبية والأشرطة واللوازم الأمنية المغناطيسية المخفية."
ويؤكد "ألن إيزل" مؤلف الكتاب الذي عرضه الأستاذ "عايش" بأن صناعة تزوير الشهادات الجامعية تصل إلى مليار دولار في العام. فإذا ما أضفنا إليها شهادات التدريب المزيف والمحرف والطازج والمجفف، فإن هذه الصناعة ستتجاوز الملياري دولار دون ريب. وتأكيدًا لنفوذ المافيا العالمية في هذا المجال يقول "إيزل": "قبل إرسال الكتاب إلى المطبعة اتصل بي هاتفياً مسجل جامعة أمهيرست الزائفة من نيويورك – مع أن حرمها الجامعي مجرد صندوق بريد في ولاية كولورادو – عارضًا علي درجة الماجستير في الأعمال، مقابل 2400 دولار، بالإضافة إلى درجة بكالوريوس مجانية، وأنه بعد لحظة صمت هبط الثمن إلى 400 دولار "لأن إيزل كان قد خدم في الجيش سابقًا."
ومن هنا يرى الأستاذ "عايش" الذي نشر مقاله في صحيفة "الرأي" الأردنية: "أنها صناعة مرعبة، وأن البائع والمشتري مجردان من الأخلاق، لكن الإقبال عليها يُثبت ما جاء في "حديث عيسى ابن هشام" لـ"المويلحي" من أن "الشهادة بلا علم خيرٌ من العلم بلا شهادة" في هذا الزمن العجيب، وأنه (قد) آن الأوان لاعتماد الشخص من فاحصين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والحسم، لا اعتماد الجامعة أو الدرجة الجامعية، بعدما عم الفساد الأكاديمي والجامعات المعتمدة، والمعترف بها بالانتحال والتغشيش والتمييز والمال الذي يشتري كل شيء."
في كل الجامعات التي درست فيها، تعلمت على نفسي ومن قراءاتي الإضافية، أكثر مما تعلمت في قاعات الدرس، إلا أن الحقيقة المجردة تبقى مؤكدة، وهي أن الورقة المبروزة، والكرتونة المحروسة، والتي نعلقها على الجدار لأنها تحمل كلمة "شهادة" لا تعني شيئًا دون دراسة أكاديمية مكثفة، تحت إشراف أساتذة مؤهلين. الشهادات الحقيقية النظيفة والمزينة بالأختام الشريفة، نحملها ثم نهملها، فلا نفكر بوجودها، ولا نشير إليها إلا في المناسبات، ولا نهتم كثيرًا بمن وقعها، أو لون الشعار الذي يزينها. كما لن يفيدنا في حياتنا العملية ما إذا كنا قد حصلنا عليها بتقدير ممتاز أو مقبول. فمن يعمل وينتج ويبدع هو نحن، لا الشهادة ولا المواد التي درسناها، أو المحاضرات التي نسيناها. ولعلها صدمة وصفعة لكل من يحمل شهادات زائفة، أو درجات مزيفة، أن يدرك الآن أو غدًا، أن جامعة "هارفارد" التي يدعون اعتمادها لهم، هي أصلاً غير معتمدة. ومع ذلك، فقد عمدها المعتمدون العرب، وادعوا أنها اعتمدتهم؛ في "المشمش".
نسيم الصمادي
|